في كل نسخة من كأس الأمم الأفريقية، تتجه الأضواء تلقائيًا إلى الفرق المليئة بالنجوم المحترفين الذين يلعبون في أوروبا. ومع ذلك، فإن تاريخ البطولة يعلمنا درسًا متكررًا: الأسماء الكبيرة لا تضمن النجاح. في نسخة كأس الأمم الأفريقية 2025 التي أقيمت في المغرب، يتضح هذا الاتجاه مرة أخرى، حيث بدأت بعض الفرق ”الهادئة إعلاميًا“ في فرض نفسها بفضل الانضباط والهوية الجماعية، بدلاً من نجم واحد يصنع الفارق.
بالنسبة للجمهور التونسي، يطرح هذا الواقع سؤالاً مهماً: هل أصبحت البطولات الأفريقية تُربح الآن بفضل الذكاء الجماعي أكثر من المهارة الفردية؟
العمل الجماعي بدلاً من نجم واحد
غالباً ما تدخل الفرق التي لا تمتلك نجماً عالمياً البطولة بضغط أقل. لا يوجد ضغط إعلامي، ولا توقعات بحلول فردية في كل مباراة، بل اعتماد كامل على النظام. وهذا يمنحها:
- انضباطاً تكتيكياً أكبر
- روح قتالية جماعية
- مرونة ذهنية في مواجهة السيناريوهات الصعبة
في المقابل، تعاني بعض الفرق ”المفضلة“ من غرور مفرط أو تنتظر لحظات من العبقرية لا تأتي أبدًا.
تونس… نموذج قريب من هذه الفلسفة
يدخل المنتخب التونسي كأس الأمم الأفريقية 2025 دون ضجة إعلامية مفرطة، ولكن بهوية واضحة: التوازن والواقعية والانضباط. لا تعتمد ”نسور قرطاج“ على نجم واحد، بل على توزيع الأدوار داخل المجموعة، مما يمنح الفريق القدرة على مواجهة الفرق الأقوى.
هذا النموذج ليس جديدًا على تونس؛ فقد شكل أساس فوزها في 2004 وكان حاضرًا في العديد من أداء تونس حيث تفوقت تكتيكيًا على الرغم من الاختلافات الفردية.
لماذا تنجح ”الفرق المتواضعة على الورق“؟
يكشف التحليل الفني لمباريات دور المجموعات في كأس الأمم الأفريقية 2025 عن عناصر مشتركة بين الفرق التي فاجأت المراقبين:
- خطوط متقاربة تقلل المساحة
- ضغط ذكي في وسط الملعب بدلاً من الاندفاع العشوائي
- استخدام ممتاز للكرات الثابتة
- قبول اللعب بدون الاستحواذ عند الضرورة
هذه العناصر تجعل هذه الفرق خصوماً صعبين في مباريات خروج المغلوب، حيث يتم تحديد كل شيء بتفاصيل صغيرة.
كأس الأمم الأفريقية… بطولة لا ترحم المترددين
على عكس البطولات الأخرى، لا تسمح كأس الأمم الأفريقية بهامش كبير للخطأ. يمكن لمباراة واحدة أن تنهي الحلم، مما يصب في مصلحة الفرق المنظمة التي تعرف كيف ”تنهي المباراة“ عندما تكون متقدمة، أو كيف تجر خصومها إلى سيناريو معقد من الناحية النفسية.
لهذا السبب، غالبًا ما تصل الفرق التي لا تضم لاعبين نجوم إلى الدور نصف النهائي، وأحيانًا تصل إلى أبعد من ذلك، لأنها تلعب دون خوف ودون انتظار حلول فردية.
ماذا يعني هذا بالنسبة لتونس؟
بالنسبة للمنتخب التونسي، قد تكون كأس الأمم الأفريقية 2025 فرصة مثالية إذا استمر في الالتزام بهذه الفلسفة:
- اللعب كوحدة واحدة
- تقليل الأخطاء الفردية
- إدارة المباريات، وليس مجرد لعبها
في بطولة لا تعترف بالأسماء، يمكن للانضباط أن يهزم الموهبة، ويمكن للنظام أن يتفوق على الفرد.
الخلاصة
تؤكد كأس الأمم الأفريقية 2025 حقيقة راسخة: كأس الأمم الأفريقية ليست بطولة للنجوم، بل للفرق. الفرق التي تدخل دون ضجة وتلعب بروح جماعية غالبًا ما تكون الأكثر خطورة. تونس، بتاريخها وفلسفتها الواقعية، تعرف هذه الحقيقة جيدًا… ويبقى التحدي هو تطبيقها حتى النهاية.
